فصل: بَابُ الْعِدَّةِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية (نسخة منقحة)



.بَابُ الْعِنِّينِ وَغَيْرِهِ:

(وَإِذَا كَانَ الزَّوْجُ عِنِّينًا أَجَّلَهُ الْحَاكِمُ سَنَةً، فَإِنْ وَصَلَ إلَيْهَا فِيهَا، وَإِلَّا فَرَّقَ بَيْنَهُمَا إذَا طَلَبَتْ الْمَرْأَةُ ذَلِكَ) هَكَذَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ، وَلِأَنَّ الْحَقَّ ثَابِتٌ لَهَا فِي الْوَطْءِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الِامْتِنَاعُ لِعِلَّةٍ مُعْتَرِضَةٍ، وَيُحْتَمَلُ لِآفَةٍ أَصْلِيَّةٍ، فَلَا بُدَّ مِنْ مُدَّةِ مَعْرِفَةٍ لِذَلِكَ وَقَدَّرْنَاهَا بِالسَّنَةِ لِاشْتِمَالِهَا عَلَى الْفُصُولِ الْأَرْبَعَةِ، فَإِذَا مَضَتْ الْمُدَّةُ وَلَمْ يَصِلْ إلَيْهَا تَبَيَّنَ أَنَّ الْعَجْزَ بِآفَةٍ أَصْلِيَّةٍ فَفَاتَ الْإِمْسَاكُ بِالْمَعْرُوفِ وَوَجَبَ عَلَيْهِ التَّسْرِيحُ بِالْإِحْسَانِ، فَإِذَا امْتَنَعَ نَابَ الْقَاضِي مَنَابَهُ فَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا وَلَا بُدَّ مِنْ طَلَبِهَا، لِأَنَّ التَّفْرِيقَ حَقُّهَا.
الشرح:
بَابُ الْعِنِّينِ:
قَوْلُهُ: رُوِيَ عَنْ عُمَرَ، وَعَلِيٍّ، وَابْنِ مَسْعُودٍ: يُؤَجَّلُ الْعِنِّينُ سَنَةً: قُلْت، أَمَّا الرِّوَايَةُ عَنْ عُمَرَ فَلَهَا طُرُقٌ: مِنْهَا مَا رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، قَالَ: قَضَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فِي الْعِنِّينِ أَنْ يُؤَجَّلَ سَنَةً، قَالَ مَعْمَرٌ: وَبَلَغَنِي أَنَّ التَّأْجِيلَ مِنْ يَوْمِ تَخَاصُمِهِ، انْتَهَى.
وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ، وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ أَجَّلَ الْعِنِّينَ سَنَةً، انْتَهَى.
زَادَ فِي لَفْظٍ: وَقَالَ: إنْ أَتَاهَا، وَإِلَّا فَرَّقُوا بَيْنَهُمَا، وَلَهَا الصَّدَاقُ كَامِلًا، انْتَهَى.
وَقَرَنَ فِي هَذَا بَيْنَ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ.
طَرِيقٌ آخَرُ: رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي كِتَابِ الْآثَارِ أَخْبَرَنَا أَبُو حَنِيفَةَ ثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ مُسْلِمٍ الْمَكِّيُّ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّ امْرَأَةً أَتَتْهُ فَأَخْبَرَتْهُ أَنَّ زَوْجَهَا لَا يَصِلُ إلَيْهَا، فَأَجَّلَهُ حَوْلًا، فَلَمَّا انْقَضَى حَوْلٌ، وَلَمْ يَصِلْ إلَيْهَا خَيَّرَهَا، فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا، فَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا عُمَرُ، وَجَعَلَهَا تَطْلِيقَةً بَائِنَةً، انْتَهَى.
وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ عَنْ أَشْعَثَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ عُمَرَ، قَالَ: يُؤَجَّلُ الْعِنِّينُ سَنَةً، فَإِنْ وَصَلَ إلَيْهَا، وَإِلَّا فُرِّقَ بَيْنَهُمَا. انْتَهَى.
طَرِيقٌ آخَرُ: رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ حَدَّثَنَا هُشَيْمِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَالِمٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَتَبَ إلَى شُرَيْحٍ أَنْ يُؤَجَّلَ الْعِنِّينُ سَنَةً مِنْ يَوْمِ يُرْفَعُ إلَيْهِ، فَإِنْ اسْتَطَاعَهَا، وَإِلَّا فَخَيِّرْهَا، فَإِنْ شَاءَتْ أَقَامَتْ، وَإِنْ شَاءَتْ فَارَقَتْهُ، انْتَهَى.
حَدَّثَنَا هُشَيْمِ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ الشَّعْبِيِّ بِهِ.
وَأَمَّا حَدِيثُ عَلِيٍّ: فَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ أَيْضًا حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ الْأَحْمَرُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ خَالِدِ بْنِ كَثِيرٍ عَنْ الضَّحَّاكِ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: يُؤَجَّلُ الْعِنِّينُ سَنَةً، فَإِنْ وَصَلَ إلَيْهَا، وَإِلَّا فُرِّقَ بَيْنَهُمَا، انْتَهَى.
وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ عُمَارَةَ عَنْ الْحَكَمِ عَنْ يَحْيَى عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: يُؤَجَّلُ الْعِنِّينُ سَنَةً، فَإِنْ أَصَابَهَا، وَإِلَّا فَهِيَ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا، انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ: فَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ أَيْضًا حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ الرُّكَيْنِ بْنِ الرَّبِيعِ بْنِ عُمَيْلَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ حُصَيْنِ بْنِ قَبِيصَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: يُؤَجَّلُ الْعِنِّينُ سَنَةً، فَإِنْ جَامَعَ، وَإِلَّا فُرِّقَ بَيْنَهُمَا، انْتَهَى.
وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ بِهِ: وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ الرُّكَيْنِ عَنْ أَبِيهِ سَمِعْتُ أَبِي، وَحُصَيْنَ بْنَ قَبِيصَةَ يُحَدِّثَانِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، فَذَكَرَهُ، هَكَذَا وَجَدْته.
أَثَرٌ آخَرُ: عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ أَيْضًا حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ الرُّكَيْنِ عَنْ أَبِي حَنْظَلَةَ النُّعْمَانِ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ أَنَّهُ أَجَّلَ الْعِنِّينَ سَنَةً. انْتَهَى.
وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ الرُّكَيْنِ عَنْ أَبِي النُّعْمَانِ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، قَالَ: يُؤَجَّلُ الْعِنِّينُ سَنَةً.
وَعَنْ شُعْبَةَ عَنْ الرُّكَيْنِ عَنْ أَبِي طَلْقٍ عَنْ الْمُغِيرَةِ نَحْوُهُ.
وَعَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ الرُّكَيْنِ عَنْ حَنْظَلَةَ بْنِ نُعَيْمٍ أَنَّ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ أَجَّلَ الْعِنِّينَ سَنَةً مِنْ يَوْمِ رَافَعَتْهُ، قَالَ: وَكَذَلِكَ، قَالَ: سُفْيَانُ، وَمَالِكٌ: مِنْ يَوْمِ تَرَافُعِهِ، انْتَهَى.
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ الْحَسَنِ، وَالشَّعْبِيِّ، وَالنَّخَعِيِّ، وَعَطَاءٍ، وَابْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُمْ قَالُوا: يُؤَجَّلُ الْعِنِّينُ سَنَةً، انْتَهَى.
(وَتِلْكَ الْفُرْقَةُ تَطْلِيقَةٌ بَائِنَةٌ)، لِأَنَّ فِعْلَ الْقَاضِي أُضِيفَ إلَى فِعْلِ الزَّوْجِ فَكَأَنَّهُ طَلَّقَهَا بِنَفْسِهِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: هُوَ فَسْخٌ لَكِنَّ النِّكَاحَ لَا يَقْبَلُ الْفَسْخَ عِنْدَنَا، وَإِنَّمَا تَقَعُ بَائِنَةً، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ، وَهُوَ دَفْعُ الظُّلْمِ عَنْهَا لَا يَحْصُلُ إلَّا بِهَا، لِأَنَّهَا لَوْ لَمْ تَكُنْ بَائِنَةً تَعُودُ مُعَلَّقَةً بِالْمُرَاجَعَةِ (وَلَهَا كَمَالُ مَهْرِهَا إنْ كَانَ خَلَا بِهَا) فَإِنَّ خَلْوَةَ الْعِنِّينِ صَحِيحَةٌ (وَيَجِبُ الْعِدَّةُ) لِمَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ، هَذَا إذَا أَقَرَّ الزَّوْجُ أَنَّهُ لَمْ يَصِلْ إلَيْهَا.
(وَلَوْ اخْتَلَفَ الزَّوْجُ وَالْمَرْأَةُ فِي الْوُصُولِ إلَيْهَا فَإِنْ كَانَتْ ثَيِّبًا فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ)، لِأَنَّهُ يُنْكِرُ اسْتِحْقَاقَ حَقِّ الْفُرْقَةِ، وَالْأَصْلُ هُوَ السَّلَامَةُ فِي الْجِبِلَّةِ (ثُمَّ إنْ حَلَفَ بَطَلَ حَقُّهَا وَإِنْ نَكَلَ يُؤَجَّلُ سَنَةً، وَإِنْ كَانَتْ بِكْرًا نَظَرَ إلَيْهَا النِّسَاءُ فَإِنْ قُلْنَ هِيَ بِكْرٌ أُجِّلَ سَنَةً) لِظُهُورِ كَذِبِهِ (وَإِنْ قُلْنَ هِيَ ثَيِّبٌ يَحْلِفُ الزَّوْجُ فَإِنْ حَلَفَ لَا حَقَّ لَهَا وَإِنْ نَكَلَ يُؤَجَّلُ سَنَةً وَإِنْ كَانَ مَجْبُوبًا فُرِّقَ بَيْنَهُمَا فِي الْحَالِ إنْ طَلَبَتْ)، لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي التَّأْجِيلِ.
(وَالْخَصِيُّ يُؤَجَّلُ كَمَا يُؤَجَّلُ الْعِنِّينُ)، لِأَنَّ وَطْأَهُ مَرْجُوٌّ.
(وَإِذَا أُجِّلَ الْعِنِّينُ سَنَةً وَقَالَ قَدْ جَامَعْتُهَا وَأَنْكَرَتْ نَظَرَ إلَيْهَا النِّسَاءُ فَإِنْ قُلْنَ هِيَ بِكْرٌ خُيِّرَتْ)، لِأَنَّ شَهَادَتَهُنَّ تَأَيَّدَتْ بِمُؤَيِّدٍ وَهِيَ الْبَكَارَةُ (وَإِنْ قُلْنَ هِيَ ثَيِّبٌ حَلَفَ الزَّوْجُ، فَإِنْ نَكَلَ خُيِّرَتْ) لِتَأَيُّدِهَا بِالنُّكُولِ.
(وَإِنْ حَلَفَ لَا تُخَيَّرُ، وَإِنْ كَانَتْ ثَيِّبًا فِي الْأَصْلِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ) وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ.
(فَإِنْ اخْتَارَتْ زَوْجَهَا لَمْ يَكُنْ لَهَا بَعْدَ ذَلِكَ خِيَارٌ)، لِأَنَّهَا رَضِيَتْ بِبُطْلَانِ حَقِّهَا، وَفِي التَّأْجِيلِ تُعْتَبَرُ السَّنَةُ الْقَمَرِيَّةُ هُوَ الصَّحِيحُ، وَيُحْتَسَبُ بِأَيَّامِ الْحَيْضِ وَبِشَهْرِ رَمَضَانَ لِوُجُودِ ذَلِكَ فِي السَّنَةِ، وَلَا يُحْتَسَبُ بِمَرَضِهِ وَمَرَضِهَا، لِأَنَّ السَّنَةَ قَدْ تَخْلُو عَنْهُ.
(وَإِذَا كَانَ بِالزَّوْجَةِ عَيْبٌ فَلَا خِيَارَ لِلزَّوْجِ).
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: تُرَدُّ بِالْعُيُوبِ الْخَمْسَةِ: وَهِيَ الْجُذَامُ، وَالْبَرَصُ، وَالْجُنُونُ، وَالرَّتْقُ، وَالْقَرَنُ، لِأَنَّهَا تَمْنَعُ الِاسْتِيفَاءَ حِسًّا أَوْ طَبْعًا.
وَالطَّبْعُ مُؤَيَّدٌ بِالشَّرْعِ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «فِرَّ مِنْ الْمَجْذُومِ فِرَارَك مِنْ الْأَسَدِ» وَلَنَا أَنَّ فَوْتَ الِاسْتِيفَاءِ أَصْلًا بِالْمَوْتِ لَا يُوجِبُ الْفَسْخَ فَاخْتِلَالُهُ بِهَذِهِ الْعُيُوبِ أَوْلَى، وَهَذَا، لِأَنَّ الِاسْتِيفَاءَ مِنْ الثَّمَرَاتِ، وَالْمُسْتَحَقُّ هُوَ التَّمَكُّنُ وَهُوَ حَاصِلٌ.
الشرح:
حَدِيثٌ: قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «فِرَّ مِنْ الْمَجْذُومِ فِرَارَك مِنْ الْأَسَدِ».
قُلْت: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ تَعْلِيقًا عَنْ سَعِيدِ بْنِ مِينَاءَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا عَدْوَى، وَلَا طِيَرَةَ، وَلَا هَامَةَ، وَلَا صَفَرَ، وَفِرَّ مِنْ الْمَجْذُومِ فِرَارَك مِنْ الْأَسَدِ أَوْ قَالَ: مِنْ الْأُسُودِ» انْتَهَى.
(وَإِذَا كَانَ بِالزَّوْجِ جُنُونٌ أَوْ بَرَصٌ أَوْ جُذَامٌ، فَلَا خِيَارَ لَهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ: لَهَا الْخِيَارُ) دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهَا كَمَا فِي الْجَبِّ وَالْعُنَّةِ بِخِلَافِ جَانِبِهِ، لِأَنَّهُ مُتَمَكِّنٌ مِنْ دَفْعِ الضَّرَرِ بِالطَّلَاقِ، وَلَهُمَا أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْخِيَارِ لِمَا فِيهِ مِنْ إبْطَالِ حَقِّ الزَّوْجِ، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ فِي الْجَبِّ وَالْعُنَّةِ، لِأَنَّهُمَا يُخِلَّانِ بِالْمَقْصُودِ الْمَشْرُوعِ لَهُ النِّكَاحُ وَهَذِهِ الْعُيُوبُ غَيْرُ مُخِلَّةٍ بِهِ فَافْتَرَقَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

.بَابُ الْعِدَّةِ:

(وَإِذَا طَلَّقَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ طَلَاقًا بَائِنًا أَوْ رَجْعِيًّا، أَوْ وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُمَا بِغَيْرِ طَلَاقٍ وَهِيَ حُرَّةٌ مِمَّنْ تَحِيضُ فَعِدَّتُهَا ثَلَاثَةُ أَقْرَاءٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} وَالْفُرْقَةُ إذَا كَانَتْ بِغَيْرِ طَلَاقٍ فَهِيَ فِي مَعْنَى الطَّلَاقِ، لِأَنَّ الْعِدَّةَ وَجَّبَتْ لِلتَّعَرُّفِ عَنْ بَرَاءَةِ الرَّحِمِ فِي الْفُرْقَةِ الطَّارِئَةِ عَلَى النِّكَاحِ، وَهَذَا يَتَحَقَّقُ فِيهَا، وَالْأَقْرَاءُ الْحَيْضُ عِنْدَنَا.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: الْأَطْهَارُ وَاللَّفْظُ حَقِيقَةٌ فِيهِمَا إذْ هُوَ مِنْ الْأَضْدَادِ كَذَا قَالَهُ ابْنُ السِّكِّيتِ، وَلَا يَنْتَظِمُهُمَا جُمْلَةً لِلِاشْتِرَاكِ، وَالْحَمْلُ عَلَى الْحَيْضِ أَوْلَى إمَّا عَمَلًا بِلَفْظِ الْجَمْعِ لِأَنَّهُ لَوْ حُمِلَ عَلَى الْأَطْهَارِ وَالطَّلَاقُ يُوقَعُ فِي طُهْرٍ لَمْ يَبْقَ جَمْعًا أَوْ لِأَنَّهُ مُعَرِّفٌ لِبَرَاءَةِ الرَّحِمِ وَهُوَ الْمَقْصُودُ أَوْ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «وَعِدَّةُ الْأَمَةِ حَيْضَتَانِ» فَيُلْتَحَقُ بَيَانًا بِهِ.
الشرح:
الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «عِدَّةُ الْأَمَةِ حَيْضَتَانِ».
قُلْت: تَقَدَّمَ فِي الطَّلَاقِ فِي الْحَدِيثِ الْخَامِسِ، وَالْمُصَنِّفُ اسْتَدَلَّ بِهِ هُنَا عَلَى أَنَّ الْقُرْءَ اسْمٌ لِلْحَيْضِ.
قَوْلُهُ: قَالَ عُمَرُ: لَوْ اسْتَطَعْت لَجَعَلْتهَا حَيْضَةً وَنِصْفًا.
قُلْت: رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ أَنَّهُ سَمِعَ عَمْرَو بْنَ أَوْسٍ الثَّقَفِيَّ يَقُولُ: أَخْبَرَنِي رَجُلٌ مِنْ ثَقِيفٍ، قَالَ: سَمِعْت عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَقُولُ: لَوْ اسْتَطَعْت أَنْ أَجْعَلَ عِدَّةَ الْأَمَةِ حَيْضَةً وَنِصْفًا فَعَلْت، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: لَوْ جَعَلْتهَا شَهْرًا وَنِصْفًا، فَسَكَتَ عُمَرُ، انْتَهَى.
وَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي مُسْنَدِهِ، وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ بِهِ، وَمِنْ طَرِيقِ الشَّافِعِيِّ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ الْمَعْرِفَةِ.
(وَإِنْ كَانَتْ مِمَّنْ لَا تَحِيضُ مِنْ صِغَرٍ أَوْ كِبَرٍ فَعِدَّتُهَا ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاَللَّائِي يَئِسْنَ مِنْ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ} الْآيَةَ (وَكَذَا الَّتِي بَلَغَتْ بِالسِّنِّ وَلَمْ تَحِضْ) بِآخِرِ الْآيَةِ.
(وَإِنْ كَانَتْ حَامِلًا فَعِدَّتُهَا أَنْ تَضَعَ حَمْلَهَا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ}.
(وَإِنْ كَانَتْ أَمَةً فَعِدَّتُهَا حَيْضَتَانِ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: {طَلَاقُ الْأَمَةِ تَطْلِيقَتَانِ، وَعِدَّتُهَا حَيْضَتَانِ} وَلِأَنَّ الرِّقَّ مُنَصِّفٌ، وَالْحَيْضَةُ لَا تَتَجَزَّأُ فَكَمُلَتْ فَصَارَتْ حَيْضَتَيْنِ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِقَوْلِهِ: لَوْ اسْتَطَعْت لَجَعَلْتهَا حَيْضَةً وَنِصْفًا (وَإِنْ كَانَتْ لَا تَحِيضُ فَعِدَّتُهَا شَهْرٌ وَنِصْفٌ) لِأَنَّهُ مُتَجَزَّأٌ فَأَمْكَنَ تَنْصِيفُهُ عَمَلًا بِالرِّقِّ.
(وَعِدَّةُ الْحُرَّةِ فِي الْوَفَاةِ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا}.
(وَعِدَّةُ الْأَمَةِ شَهْرَانِ وَخَمْسَةُ أَيَّامٍ) لِأَنَّ الرِّقَّ مُنَصِّفٌ.
(وَإِنْ كَانَتْ حَامِلًا فَعِدَّتُهَا أَنْ تَضَعَ حَمْلَهَا) لِإِطْلَاقِ قَوْله تَعَالَى: {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ}، وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: مَنْ شَاءَ بَاهَلْتُهُ أَنَّ سُورَةَ النِّسَاءِ الْقُصْرَى نَزَلَتْ بَعْدَ الْآيَةِ الَّتِي فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ، وَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: لَوْ وَضَعَتْ وَزَوْجُهَا عَلَى سَرِيرِهِ لَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا، وَحَلَّ لَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ.
الشرح:
قَوْلُهُ: قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: مَنْ شَاءَ بَاهَلْتُهُ: أَنَّ سُورَةَ النِّسَاءِ الْقُصْرَى، نَزَلَتْ بَعْدَ الْآيَةِ الَّتِي فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ.
قُلْت: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الطَّلَاقِ وَفِي أَوَائِلِ الْبَقَرَةِ عَنْهُ، قَالَ: أَتَجْعَلُونَ عَلَيْهَا التَّغْلِيظَ، وَلَا تَجْعَلُونَ لَهَا الرُّخْصَةَ؟ لَنَزَلَتْ سُورَةُ النِّسَاءِ الْقُصْرَى بَعْدَ الطُّولَى {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ}، انْتَهَى.
وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ بِلَفْظِ مَنْ شَاءَ لَاعَنْتُهُ: لَأُنْزِلَتْ سُورَةُ النِّسَاءِ الْقُصْرَى بَعْدَ الْأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا. انْتَهَى.
وَأَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْهُ بِلَفْظِ: مَنْ شَاءَ حَالَفْته أَنَّ {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} نَزَلَتْ بَعْدَ آيَةِ الْمُتَوَفَّى، فَإِذَا وَضَعَتْ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا حَمْلَهَا، فَقَدْ حَلَّتْ، وَقَرَأَ {وَاَلَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا} الْآيَةَ. انْتَهَى.
وَرَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ فِي مُسْنَدِ أَبِيهِ مِنْ حَدِيثِ الْمُثَنَّى بْنِ الصَّبَّاحِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، وَعَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، قَالَ: «قُلْت لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} الْمُطَلَّقَةُ ثَلَاثًا، أَوْ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا؟ فَقَالَ: هِيَ الْمُطَلَّقَةُ ثَلَاثًا، وَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا»، انْتَهَى.
وَالْمُثَنَّى بْنُ الصَّبَّاحِ مَتْرُوكٌ بِمَرَّةٍ، وَرَوَاهُ الطَّبَرِيُّ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي تَفْسِيرَيْهِمَا فِي سُورَةِ الطَّلَاقِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ لَهِيعَةَ عَنْ عَمْرٍو بِهِ، وَابْنُ لَهِيعَةَ أَيْضًا ضَعِيفٌ، وَرَوَاهُ الطَّبَرِيُّ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ أَبِي الْمُخَارِقِ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ: «قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ، فَقَالَ: أَجَلُ كُلِّ حَامِلٍ أَنْ تَضَعَ مَا فِي بَطْنِهَا»، انْتَهَى.
وَعَبْدُ الْكَرِيمِ مَعَ ضَعْفِهِ لَمْ يُدْرِكْ أُبَيًّا.
قَوْلُهُ: قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: لَوْ وَضَعَتْ وَزَوْجُهَا عَلَى سَرِيرِهِ لَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا، وَحَلَّ لَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ.
قُلْت: رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الْمَرْأَةِ الَّتِي يُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا، وَهِيَ حَامِلٌ، فَقَالَ: إذَا وَضَعَتْ حَمْلَهَا فَقَدْ حَلَّتْ، فَأَخْبَرَهُ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ أَنَّ عُمَرَ، قَالَ: لَوْ وَضَعَتْ وَزَوْجُهَا عَلَى سَرِيرِهِ لَمْ يُدْفَنْ بَعْدُ لَحَلَّتْ، انْتَهَى.
وَعَنْ مَالِكٍ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي مُسْنَدِهِ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ بِهِ، سَوَاءٌ، وَرَوَاهُ هُوَ، وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفَيْهِمَا عَنْ ابْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ، قَالَ: سَمِعْت رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ يُحَدِّثُ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ: سَمِعْت أَبَاك يَقُولُ: لَوْ وَضَعَتْ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا ذَا بَطْنِهَا، وَهُوَ عَلَى السَّرِيرِ لَقَدْ حَلَّتْ، انْتَهَى.
وَفِيهِ رَجُلٌ مَجْهُولٌ.
أَحَادِيثُ الْبَابِ:
مِنْهَا حَدِيثُ سُبَيْعَةَ الْأَسْلَمِيَّةِ، أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ عَنْ كُرَيْبٌ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، قَالَ: «إنَّ سُبَيْعَةَ الْأَسْلَمِيَّةَ نُفِسَتْ بَعْدَ وَفَاةِ زَوْجِهَا بِلَيَالٍ، وَأَنَّهَا ذَكَرَتْ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمَرَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ»، انْتَهَى.
وَفِي لَفْظٍ لِلْبُخَارِيِّ: «أَنَّهَا وَضَعَتْ بَعْدَ وَفَاةِ زَوْجِهَا بِأَرْبَعِينَ لَيْلَةً»، وَفِي لَفْظٍ آخَرَ: «فَمَكَثَتْ قَرِيبًا مِنْ عَشْرِ لَيَالٍ، ثُمَّ جَاءَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: انْكِحِي»، انْتَهَى.
وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ أَيْضًا: عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَرْقَمِ: «أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى سُبَيْعَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ الْأَسْلَمِيَّةِ فَسَأَلَهَا عَنْ حَدِيثِهَا، فَأَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا كَانَتْ تَحْتَ سَعْدِ بْنِ خَوْلَةَ، وَهُوَ مِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ، وَكَانَ مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا، فَتُوُفِّيَ عَنْهَا فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، وَهِيَ حَامِلٌ فَلَمْ تَنْشَبْ أَنْ وَضَعَتْ حَمْلَهَا بَعْدَ وَفَاتِهِ، فَلَمَّا فَرَغَتْ مِنْ نِفَاسِهَا تَجَمَّلَتْ لَلْخُطَّابِ، فَدَخَلَ عَلَيْهَا أَبُو السَّنَابِلِ بْنُ بَعْكَكٍ رَجُلٌ مِنْ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ فَقَالَ لَهَا: مَا لِي أَرَاك مُتَجَمِّلَةً، لَعَلَّكِ تُرَجِّينَ النِّكَاحَ؟ وَاَللَّهِ مَا أَنْتِ بِنَاكِحٍ حَتَّى تَمُرَّ عَلَيْك أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ: قَالَتْ سُبَيْعَةُ: فَلَمَّا قَالَ لِي ذَلِكَ جَمَعْتُ عَلَيَّ ثِيَابِي، حِينَ أَمْسَيْت، فَأَتَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلْته عَنْ ذَلِكَ، فَأَفْتَانِي بِأَنِّي قَدْ حَلَلْت حِينَ وَضَعْت حَمْلِي، وَأَمَرَنِي بِالتَّزْوِيجِ إنْ بَدَا لِي».
قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَلَا أَرَى بَأْسًا أَنْ تَتَزَوَّجَ حِينَ وَضَعَتْ، وَإِنْ كَانَتْ فِي دَمِهَا، غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَقْرَبُهَا زَوْجُهَا حَتَّى تَطْهُرَ. انْتَهَى.
وَذَكَرَهُ عَبْدُ الْحَقِّ فِي أَحْكَامِهِ مِنْ جِهَةِ مُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ سُبَيْعَةَ: «أَنَّهَا نُفِسَتْ بَعْدَ وَفَاةِ زَوْجِهَا بِلَيَالٍ» إلَى آخِرِهِ، وَتَعَقَّبَهُ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ، وَقَالَ: إنَّ هَذَا خَطَأٌ، فَإِنَّ سُبَيْعَةَ لَمْ تَرْوِ هَذَا الْحَدِيثَ، وَلَا رَوَاهُ أَحَدٌ عَنْهَا، وَإِنَّمَا هِيَ صَاحِبَةُ الْقِصَّةِ، كَأَبِي جَهْمٍ فِي قِصَّةِ الْأَنْبِجَانِيَّة، وَذِي الْيَدَيْنِ فِي قِصَّةِ السَّهْوِ، فَلَوْ رَوَى رَاوٍ حَدِيثَ السَّهْوِ عَنْ ذِي الْيَدَيْنِ، أَوْ حَدِيثَ الْأَنْبِجَانِيَّة عَنْ أَبِي الْجَهْمِ، لَكَانَ مُخْطِئًا، فَكَذَلِكَ هَذَا، وَإِنَّمَا رَاوِيهِ أُمُّ سَلَمَةَ، ثُمَّ ذَكَرَ لَفْظَ الصَّحِيحَيْنِ فِيهِ مِنْ جِهَةِ أُمِّ سَلَمَةَ، انْتَهَى.
وَهَذَا وَهَمٌ فَاحِشٌ، فَقَدْ أَخْرَجَاهُ مِنْ حَدِيثِهَا، كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَكَذَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَلَيْسَ لَهَا فِي الْكُتُبِ السِّتَّةِ غَيْرُ هَذَا الْحَدِيثِ، وَقَدْ ذَكَرَه أَصْحَابُ الْأَطْرَافِ فِي مُسْنَدِهَا، وَكَذَلِكَ الْحُمَيْدِيُّ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّحِيحَيْنِ.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفَيْهِمَا، قَالَ الْأَوَّلُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ الْعَبْدِيُّ، وَقَالَ الثَّانِي: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، قَالَا: ثَنَا عَمْرُو بْنُ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ: «أَنَّهُ كَانَتْ تَحْتَهُ أُمُّ كُلْثُومٍ، وَكَانَ فِيهِ شِدَّةٌ عَلَى النِّسَاءِ، فَكَرِهَتْهُ، فَسَأَلَتْهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا، وَهِيَ حَامِلٌ، فَأَبَى، فَلَمَّا ضَرَبَهَا الطَّلْقُ أَلَحَّتْ عَلَيْهِ فِي تَطْلِيقِهِ، فَطَلَّقَهَا وَاحِدَةً، وَهُوَ يَتَوَضَّأُ، ثُمَّ خَرَجَ، فَأَدْرَكَهُ إنْسَانٌ، فَأَخْبَرَهُ أَنَّهَا وَضَعَتْ، فَقَالَ: خَدَعَتْنِي خَدَعَهَا اللَّهُ، فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: سَبَقَ كِتَابُ اللَّهِ فِيهَا، اُخْطُبْهَا، فَقَالَ: إنَّهَا لَا تَرْجِعُ إلَيَّ أَبَدًا»، انْتَهَى.
(وَإِذَا وَرِثَتْ الْمُطَلَّقَةُ فِي الْمَرَضِ فَعِدَّتُهَا أَبْعَدُ الْأَجَلَيْنِ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ: ثَلَاثُ حِيَضٍ، وَمَعْنَاهُ إذَا كَانَ الطَّلَاقُ بَائِنًا أَوْ ثَلَاثًا.
أَمَّا إذَا كَانَ رَجْعِيًّا فَعَلَيْهَا عِدَّةُ الْوَفَاةِ بِالْإِجْمَاعِ، لِأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ النِّكَاحَ قَدْ انْقَطَعَ قَبْلَ الْمَوْتِ بِالطَّلَاقِ، وَلَزِمَتْهَا ثَلَاثُ حِيَضٍ، وَإِنَّمَا تَجِبُ عِدَّةُ الْوَفَاةِ إذَا زَالَ النِّكَاحُ فِي الْوَفَاةِ، إلَّا أَنَّهُ بَقِيَ فِي حَقِّ الْإِرْثِ لَا فِي حَقِّ تَغَيُّرِ الْعِدَّةِ بِخِلَافِ الرَّجْعِيِّ، لِأَنَّ النِّكَاحَ بَاقٍ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَلَهُمَا أَنَّهُ لَمَّا بَقِيَ فِي حَقِّ الْإِرْثِ يُجْعَلُ بَاقِيًا فِي حَقِّ الْعِدَّةِ احْتِيَاطًا فَيُجْمَعُ بَيْنَهُمَا.
وَلَوْ قُتِلَ عَلَى رِدَّتِهِ حَتَّى وَرِثَتْهُ امْرَأَتُهُ فَعِدَّتُهَا عَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ، وَقِيلَ: عِدَّتُهَا بِالْحَيْضِ بِالْإِجْمَاعِ، لِأَنَّ النِّكَاحَ حِينَئِذٍ مَا اُعْتُبِرَ بَاقِيًا إلَى وَقْتِ الْمَوْتِ فِي حَقِّ الْإِرْثِ، لِأَنَّ الْمُسْلِمَةَ لَا تَرِثُ مِنْ الْكَافِرِ (فَإِذَا عَتَقَتْ الْأَمَةُ فِي عِدَّتِهَا مِنْ طَلَاقٍ رَجْعِيٍّ انْتَقَلَتْ عِدَّتُهَا إلَى عِدَّةِ الْحَرَائِرِ) لِقِيَامِ النِّكَاحِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ (وَإِنْ أُعْتِقَتْ وَهِيَ مَبْتُوتَةٌ أَوْ مُتَوَفًّى عَنْهَا زَوْجُهَا لَمْ تَنْتَقِلْ عِدَّتُهَا) إلَى عِدَّةِ الْحَرَائِرِ لِزَوَالِ النِّكَاحِ بِالْبَيْنُونَةِ أَوْ الْمَوْتِ (وَإِنْ كَانَتْ آيِسَةً فَاعْتَدَّتْ بِالشُّهُورِ، ثُمَّ رَأَتْ الدَّمَ انْتَقَضَ مَا مَضَى مِنْ عِدَّتِهَا، وَعَلَيْهَا أَنْ تَسْتَأْنِفَ الْعِدَّةَ بِالْحَيْضِ) وَمَعْنَاهُ إذَا رَأَتْ الدَّمَ عَلَى الْعَادَةِ، لِأَنَّ عَوْدَهَا يُبْطِلُ الْإِيَاسَ، هُوَ الصَّحِيحُ فَظَهَرَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ خَلَفًا وَهَذَا، لِأَنَّ شَرْطَ الْخَلَفِيَّةِ تَحَقُّقُ الْيَأْسِ، وَذَلِكَ بِاسْتِدَامَةِ الْعَجْزِ إلَى الْمَمَاتِ كَالْفِدْيَةِ فِي حَقِّ الشَّيْخِ الْفَانِي.
(وَلَوْ حَاضَتْ حَيْضَتَيْنِ ثُمَّ أَيِسَتْ تَعْتَدُّ بِالشُّهُورِ) تَحَرُّزًا عَنْ الْجَمْعِ بَيْنَ الْبَدَلِ وَالْمُبْدَلِ (وَالْمَنْكُوحَةُ نِكَاحًا فَاسِدًا وَالْمَوْطُوءَةُ بِشُبْهَةٍ عِدَّتُهُمَا الْحَيْضُ فِي الْفُرْقَةِ وَالْمَوْتِ)، لِأَنَّهَا لِلتَّعَرُّفِ عَنْ بَرَاءَةِ الرَّحِمِ، لَا لِقَضَاءِ حَقِّ النِّكَاحِ، وَالْحَيْضُ هُوَ الْمُعَرِّفُ.
(وَإِذَا مَاتَ مَوْلَى أُمِّ الْوَلَدِ عَنْهَا أَوْ أَعْتَقَهَا فَعِدَّتُهَا ثَلَاثُ حِيَضٍ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: حَيْضَةٌ وَاحِدَةٌ)، لِأَنَّهَا تَجِبُ بِزَوَالِ مِلْكِ الْيَمِينِ فَشَابَهَتْ الِاسْتِبْرَاءَ.
وَلَنَا أَنَّهَا وَجَبَتْ بِزَوَالِ الْفِرَاشِ فَأَشْبَهَ عِدَّةَ النِّكَاحِ، ثُمَّ إمَامُنَا فِيهِ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَإِنَّهُ قَالَ: عِدَّةُ أُمِّ الْوَلَدِ ثَلَاثُ حِيَضٍ.
(وَلَوْ كَانَتْ مِمَّنْ لَا تَحِيضُ فَعِدَّتُهَا ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ) كَمَا فِي النِّكَاحِ.
الشرح:
قَوْلُهُ: رُوِيَ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: عِدَّةُ أُمِّ الْوَلَدِ ثَلَاثُ حِيَضٍ.
قُلْت: غَرِيبٌ، وَالْمُصَنِّفُ اسْتَدَلَّ بِهِ لِأَصْحَابِنَا عَلَى أَنَّ عِدَّةَ أُمِّ الْوَلَدِ ثَلَاثُ حِيَضٍ فِي عِتْقٍ أَوْ وَفَاةٍ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: حَيْضَةٌ وَاحِدَةٌ، وَلَكِنْ رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ أَنَّ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ أَمَرَ أُمَّ وَلَدٍ أُعْتِقَتْ أَنْ تَعْتَدَّ ثَلَاثَ حِيَضٍ، وَكَتَبَ إلَى عُمَرَ فَكَتَبَ بِحُسْنِ رَأْيِهِ، انْتَهَى.
وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا عَنْ الْحَارِثِ عَنْ عَلِيٍّ، وَعَبْدِ اللَّهِ قَالَا: ثَلَاثُ حِيَضٍ إذَا مَاتَ عَنْهَا يَعْنِي أُمَّ الْوَلَدِ وَأَخْرَجَهُ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ، وَابْنِ سِيرِينَ، وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، وَعَطَاءٍ وَرَوَى أَيْضًا حَدَّثَنَا الثَّقَفِيُّ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: سَمِعْت الْقَاسِمَ، وَذُكِرَ لَهُ أَنَّ عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ مَرْوَانَ فَرَّقَ بَيْنَ نِسَاءٍ وَرِجَالِهِنَّ، كُنَّ أُمَّهَاتِ أَوْلَادٍ وَنُكِحْنَ بَعْدَ حَيْضَةٍ، أَوْ حَيْضَتَيْنِ، حَتَّى يَعْتَدِدْنَ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا، فَقَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ إنَّ اللَّهَ يَقُولُ فِي كِتَابِهِ: {وَاَلَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا} أَتُرَاهُنَّ مِنْ الْأَزْوَاجِ، انْتَهَى.
وَرَوَى ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ فِي النَّوْعِ السَّادِسِ وَالثَّلَاثِينَ، مِنْ الْقِسْمِ الْخَامِسِ عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، قَالَ: لَا تُلَبِّسُوا عَلَيْنَا سُنَّةَ نَبِيِّنَا، عِدَّةُ أُمِّ الْوَلَدِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ. انْتَهَى.
وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ، وَقَالَ: عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، انْتَهَى.
وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنَيْهِمَا.
قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: وَقَبِيصَةُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عَمْرٍو، وَفِي لَفْظٍ لَهُ، قَالَ: عِدَّةُ أُمِّ الْوَلَدِ عِدَّةُ الْحُرَّةِ إذَا تُوُفِّيَ عَنْهَا سَيِّدُهَا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ، وَإِذَا عَتَقَتْ ثَلَاثُ حِيَضٍ. انْتَهَى.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ هَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ، وَقَبِيصَةُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عَمْرٍو، وَالصَّوَابُ مَوْقُوفٌ. انْتَهَى.
وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَابْنُ مَاجَهْ.
قَوْلُهُ: رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ ابْتِدَاءَ الْعِدَّةِ فِي الطَّلَاقِ عَقِيبَ الطَّلَاقِ، وَفِي الْوَفَاةِ عَقِيبَ الْوَفَاةِ.
قُلْت: أَمَّا حَدِيثُ عَلِيٍّ فَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْهُ، قَالَ: الْعِدَّةُ مِنْ يَوْمِ يَمُوتُ أَوْ تَطْلُقُ. انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ: فَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، وَيَحْيَى بْنُ آدَمَ عَنْ شَرِيكٍ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: الْعِدَّةُ مِنْ يَوْمِ يَمُوتُ أَوْ تَطْلُقُ. انْتَهَى.
وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْخَالِدِ الْحَرَّانِيِّ ثَنَا أَبِي أَنْبَأَ زُهَيْرٌ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ الْأَسْوَدِ، وَمَسْرُوقٍ، وَعَبِيدَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، فَذَكَرَهُ.
وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ: فَغَرِيبٌ، وَذَكَرَ أَنَّهُ فِي كِتَابِ ابْنِ الْمُنْذِرِ، وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ، يَحْسَبُهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: الْعِدَّةُ مِنْ يَوْمِ يَمُوتُ. انْتَهَى.
أَثَرٌ آخَرُ: رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: عِدَّتُهَا مِنْ يَوْمِ طَلَّقَهَا، وَمِنْ يَوْمِ يَمُوتُ عَنْهَا. انْتَهَى.
وَهَذَا سَنَدٌ صَحِيحٌ، وَأُخْرِجَ نَحْوُهُ عَنْ عَطَاءٍ، وَمُجَاهِدٍ، وَابْنِ الْمُسَيِّبِ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَابْنِ سِيرِينَ، وَعِكْرِمَةَ، وَنَافِعٍ، وَأَبِي قِلَابَةَ، وَأَبِي الْعَالِيَةِ، وَالشَّعْبِيِّ، وَالنَّخَعِيِّ، وَالزُّهْرِيِّ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ، وَمَكْحُولٍ، بِأَسَانِيدَ جَيِّدَةٍ.
(وَإِذَا مَاتَ الصَّغِيرُ عَنْ امْرَأَتِهِ، وَبِهَا حَبَلٌ فَعِدَّتُهَا أَنْ تَضَعَ حَمْلَهَا) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ: عِدَّتُهَا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ، لِأَنَّ الْحَمْلَ لَيْسَ بِثَابِتِ النَّسَبِ مِنْهُ فَصَارَ كَالْحَادِثِ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَلَهُمَا إطْلَاقُ قَوْله تَعَالَى: {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} وَلِأَنَّهَا مُقَدَّرَةٌ بِمُدَّةِ وَضْعِ الْحَمْلِ فِي أُولَاتِ الْأَحْمَالِ، قَصُرَتْ الْمُدَّةُ أَوْ طَالَتْ لَا لِلتَّعَرُّفِ عَنْ فَرَاغِ الرَّحِمِ لِشَرْعِهَا بِالْأَشْهُرِ مَعَ وُجُودِ الْأَقْرَاءِ لَكِنْ لِقَضَاءِ حَقِّ النِّكَاحِ، وَهَذَا الْمَعْنَى يَتَحَقَّقُ فِي الصَّبِيِّ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْحَمْلُ مِنْهُ، بِخِلَافِ الْحَمْلِ الْحَادِثِ، لِأَنَّهُ وَجَبَتْ الْعِدَّةُ بِالشُّهُورِ، فَلَا تَتَغَيَّرُ بِحُدُوثِ الْحَمْلِ وَفِيمَا نَحْنُ فِيهِ كَمَا وَجَبَتْ مُقَدَّرَةً بِمُدَّةِ الْحَمْلِ فَافْتَرَقَا، وَلَا يَلْزَمُ امْرَأَةَ الْكَبِيرِ إذَا حَدَثَ لَهَا الْحَبَلُ بَعْدَ الْمَوْتِ، لِأَنَّ النَّسَبَ يَثْبُتُ مِنْهُ فَكَانَ كَالْقَائِمِ عِنْدَ الْمَوْتِ حُكْمًا (وَلَا يَثْبُتُ نَسَبُ الْوَلَدِ فِي الْوَجْهَيْنِ)، لِأَنَّ الصَّبِيَّ لَا مَاءَ لَهُ فَلَا يُتَصَوَّرُ مِنْهُ الْعُلُوقُ، وَالنِّكَاحُ يَقُومُ مَقَامَهُ فِي مَوْضِعِ التَّصَوُّرِ.
(وَإِذَا طَلَّقَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ فِي حَالَةِ الْحَيْضِ لَمْ تَعْتَدَّ بِالْحَيْضَةِ الَّتِي وَقَعَ فِيهَا الطَّلَاقُ)، لِأَنَّ الْعِدَّةَ مُقَدَّرَةٌ بِثَلَاثِ حِيَضٍ كَوَامِلَ فَلَا يَنْقُصُ عَنْهَا.
(وَإِذَا وُطِئَتْ الْمُعْتَدَّةُ بِشُبْهَةٍ فَعَلَيْهَا عِدَّةٌ أُخْرَى، وَتَدَاخَلَتْ الْعِدَّتَانِ، وَيَكُونُ مَا تَرَاهُ الْمَرْأَةُ مِنْ الْحَيْضِ مُحْتَسَبًا مِنْهُمَا جَمِيعًا، وَإِذَا انْقَضَتْ الْعِدَّةُ الْأُولَى وَلَمْ تَكْمُلْ الثَّانِيَةُ فَعَلَيْهَا تَمَامُ الْعِدَّةِ الثَّانِيَةِ) وَهَذَا عِنْدَنَا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: لَا تَتَدَاخَلَانِ، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ الْعِبَادَةُ فَإِنَّهَا عِبَادَةُ كَفٍّ عَنْ التَّزَوُّجِ وَالْخُرُوجِ، فَلَا تَتَدَاخَلَانِ كَالصَّوْمَيْنِ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ.
وَلَنَا أَنَّ الْمَقْصُودَ التَّعَرُّفُ عَنْ فَرَاغِ الرَّحِمِ وَقَدْ حَصَلَ بِالْوَاحِدَةِ فَتَتَدَاخَلَانِ، وَمَعْنَى الْعِبَادَةِ تَابِعٌ، أَلَا تَرَى أَنَّهَا تَنْقَضِي بِدُونِ عِلْمِهَا وَمَعَ تَرْكِهَا الْكَفَّ.
(وَالْمُعْتَدَّةُ عَنْ وَفَاةٍ إذَا وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ تَعْتَدُّ بِالشُّهُورِ وَتَحْتَسِبُ بِمَا تَرَاهُ مِنْ الْحَيْضِ فِيهَا) تَحْقِيقًا لِلتَّدَاخُلِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ.
(وَابْتِدَاءُ الْعِدَّةِ فِي الطَّلَاقِ عَقِيبَ الطَّلَاقِ وَفِي الْوَفَاةِ عَقِيبَ الْوَفَاةِ، فَإِنْ لَمْ تَعْلَمْ بِالطَّلَاقِ أَوْ الْوَفَاةِ حَتَّى مَضَتْ مُدَّةُ الْعِدَّةِ فَقَدْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا)، لِأَنَّ سَبَبَ وُجُوبِ الْعِدَّةِ الطَّلَاقُ أَوْ الْوَفَاةُ فَيُعْتَبَرُ ابْتِدَاؤُهَا مِنْ وَقْتِ وُجُودِ السَّبَبِ، وَمَشَايِخُنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ يُفْتُونَ فِي الطَّلَاقِ أَنَّ ابْتِدَاءَهَا مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ نَفْيًا لِتُهْمَةِ الْمُوَاضَعَةِ (وَالْعِدَّةُ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ عَقِيبَ التَّفْرِيقِ، أَوْ عَزْمِ الْوَاطِئِ عَلَى تَرْكِ وَطْئِهَا).
وَقَالَ زُفَرُ رَحِمَهُ اللَّهُ: مِنْ آخِرِ الْوَطْآتِ، لِأَنَّ الْوَطْءَ هُوَ السَّبَبُ الْمُوجِبُ.
وَلَنَا أَنَّ كُلَّ وَطْءٍ وُجِدَ فِي الْعَقْدِ الْفَاسِدِ يَجْرِي مَجْرَى الْوَطْأَةِ الْوَاحِدَةِ لِاسْتِنَادِ الْكُلِّ إلَى حُكْمِ عَقْدٍ وَاحِدٍ، وَلِهَذَا يَكْتَفِي فِي الْكُلِّ بِمَهْرٍ وَاحِدٍ فَقَبْلَ الْمُتَارَكَةِ أَوْ الْعَزْمِ لَا تَثْبُتُ الْعِدَّةُ مَعَ جَوَازِ وُجُودِ غَيْرِهِ، وَلِأَنَّ التَّمَكُّنَ عَلَى وَجْهِ الشُّبْهَةِ أُقِيمَ مَقَامَ حَقِيقَةِ الْوَطْءِ لِخَفَائِهِ وَمِسَاسِ الْحَاجَةِ إلَى مَعْرِفَةِ الْحُكْمِ فِي حَقِّ غَيْرِهِ.
(وَإِذَا قَالَتْ الْمُعْتَدَّةُ: انْقَضَتْ عِدَّتِي وَكَذَّبَهَا الزَّوْجُ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهَا مَعَ الْيَمِينِ)، لِأَنَّهَا أَمِينَةٌ فِي ذَلِكَ، وَقَدْ اُتُّهِمَتْ بِالْكَذِبِ، فَتُحَلَّفُ كَالْمُودَعِ.
(وَإِذَا طَلَّقَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ طَلَاقًا بَائِنًا، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا فِي عِدَّتِهَا، وَطَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا فَعَلَيْهِ مَهْرٌ كَامِلٌ، وَعَلَيْهَا عِدَّةٌ مُسْتَقْبَلَةٌ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ: عَلَيْهِ نِصْفُ الْمَهْرِ، وَعَلَيْهَا إتْمَامُ الْعِدَّةِ الْأُولَى)، لِأَنَّ هَذَا طَلَاقٌ قَبْلَ الْمَسِيسِ، فَلَا يُوجِبُ كَمَالَ الْمَهْرِ وَلَا اسْتِئْنَافَ الْعِدَّةِ، وَإِكْمَالُ الْعِدَّةِ الْأُولَى إنَّمَا يَجِبُ بِالطَّلَاقِ الْأَوَّلِ، إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَظْهَرْ حَالَ التَّزَوُّجِ الثَّانِي، فَإِذَا ارْتَفَعَ بِالطَّلَاقِ الثَّانِي ظَهَرَ حُكْمُهُ كَمَا لَوْ اشْتَرَى أُمَّ وَلَدِهِ ثُمَّ أَعْتَقَهَا، وَلَهُمَا أَنَّهَا مَقْبُوضَةٌ فِي يَدِهِ حَقِيقَةً بِالْوَطْأَةِ الْأُولَى، وَبَقِيَ أَثَرُهُ وَهُوَ الْعِدَّةُ، فَإِذَا جَدَّدَ النِّكَاحَ وَهِيَ مَقْبُوضَةٌ نَابَ ذَلِكَ الْقَبْضُ عَنْ الْقَبْضِ الْمُسْتَحَقِّ فِي هَذَا النِّكَاحِ كَالْغَاصِبِ يَشْتَرِي الْمَغْصُوبَ الَّذِي فِي يَدِهِ يَصِيرُ قَابِضًا بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ فَوَضَحَ بِهَذَا أَنَّهُ طَلَاقٌ بَعْدَ الدُّخُولِ.
وَقَالَ زُفَرُ رَحِمَهُ اللَّهُ: لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا أَصْلًا، لِأَنَّ الْأُولَى قَدْ سَقَطَتْ بِالتَّزَوُّجِ فَلَا تَعُودُ وَالثَّانِيَةَ لَمْ تَجِبْ، وَجَوَابُهُ مَا قُلْنَا.
(وَإِذَا طَلَّقَ الذِّمِّيُّ الذِّمِّيَّةَ فَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا، وَكَذَا إذَا خَرَجَتْ الْحَرْبِيَّةُ إلَيْنَا مُسْلِمَةً، فَإِنْ تَزَوَّجَتْ جَازَ إلَّا أَنْ تَكُونَ حَامِلًا، وَهَذَا كُلُّهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَقَالَا: عَلَيْهَا وَعَلَى الذِّمِّيَّةِ الْعِدَّةُ) أَمَّا الذِّمِّيَّةُ فَالِاخْتِلَافُ فِيهَا نَظِيرُ الِاخْتِلَافِ فِي نِكَاحِهِمْ مَحَارِمَهُمْ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ، وَقَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ فِيمَا إذَا كَانَ مُعْتَقَدُهُمْ أَنَّهُ لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا.
وَأَمَّا الْمُهَاجِرَةُ فَوَجْهُ قَوْلِهِمَا إنَّ الْفُرْقَةَ لَوْ وَقَعَتْ بِسَبَبٍ آخَرَ وَجَبَتْ الْعِدَّةُ فَكَذَا بِسَبَبِ التَّبَايُنِ، بِخِلَافِ مَا إذَا هَاجَرَ الرَّجُلُ وَتَرَكَهَا لِعَدَمِ التَّبْلِيغِ، وَلَهُ قَوْله تَعَالَى: {لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ} وَلِأَنَّ الْعِدَّةَ حَيْثُ وَجَبَتْ كَانَ فِيهَا حَقُّ بَنِي آدَمَ، وَالْحَرْبِيُّ مُلْحَقٌ بِالْجَمَادِ حَتَّى كَانَ مَحَلًّا لِلتَّمَلُّكِ، إلَّا أَنْ تَكُونَ حَامِلًا، لِأَنَّ فِي بَطْنِهَا وَلَدًا ثَابِتَ النَّسَبِ.
وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ يَجُوزُ نِكَاحُهَا وَلَا يَطَؤُهَا كَالْحُبْلَى مِنْ الزِّنَا، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ.